* الجبل و قلب الشهيد *
*
المكان جزء من الطبيعة لا يتغير إلا بالإنسان , لذالك فالإنسان في أي مكان
في العالم يستطيع أن يجعل من المكان قابل للحضارة أو عشوائي الإنسانية , والقرية
المصرية شأنها في ذالك شأن كل الأماكن في العالم , هنا تكمن قضية ( سالم المصيلي )
ضابط شرطة برتبة رائد يتم نقلع معاقبة له إلي احدي القرى المترامية الأطراف في
صعيد مصر , قرية ( العوامر ) حيث يحضنها الجبل من جميع الزوايا إلا طريق واحد
كشريط صغير يربطها بالعمار والوادي , هنا تمر الحياة بطيئة جدا مم يجعل العمل بها
مكروه لأي شخص من خارج المنطقة , تحمل الرائد سالم الأيام التي لا تكاد تمر ,
الملل وقلة القضايا التي يتم البت
بها بالطرق العرفية , كره المكان والأشخاص
, حتى جاءت لحظة غيرت مسار حياته , ففي احدي ليالي الشتاء اللباردة وهو في دورية
ليلية بمفرده وجد شاب يرتدي بدلة عسكرية وقام بمحاولة القبض عليه ولكن الشاب وقف أمامه
وقال له ( لا تخف سيدي الضابط أنا من هذه القرية ) ,,, ثم دار حوار طويل بدأ
بتعارف الرائد سالم مع الشاب الملقب باسم ( بركات ) ,, كان يروي للرائد سالم كل
يوم قصص وحكايات البلدة , مم جعل الرائد سالم لا يشعر بالملل بل ينتظر بفارغ الصبر
كل يوم ليجلس مع هذا الشاب الذي حكي له قصة غريبة كانت ملامحها كالتالي :-
أن بالقرية شاب متوسط المؤهلات
الاقتصادية والعلمية والاجتماعية والشخصية ,, شاب ابسط من البساطة ذاتها , لا يدرك
كلام السياسة ولا الاقتصاد , ولكن إدراكه فقط كيف يعيش وكيف يتعايش مع ظروفه
القاسية سواء المالية أو الاجتماعية , حتى جاءت لحظة فارقة في حياته , وهي انضمامه
للتجنيد في أصعب مراحل حياته وفي أصعب ظروف تمر بها مصر ,, لايعرف شيء خارج بلدته
سوي الجبال , قلبه قاسي وملامحه قاسية كقسوة الجبال حول قريته , لا يدرك التعامل
مع البشر الجدد في مكان تجنيده , فقلبه نقي نقاء الصخور الجبلية في بلاده والصخور
قاسية ولكنها طبيعية بنقائها ,,, كان نقي الأفكار , تم نقله بعد التدريب ليتمركز
في شمال سيناء , شأنه في ذالك شأن شباب
كثيرون في الجيش المصري , مناطق لا يعرف
عنها شيء سوي القراءة عنها في الكتب الدراسية , سيناء التي سمع عنها أنها جبلية
وجد بها مجتمعات إنسانية متباينة في رفح والشيخ زويد والعريش , قبائل البدو
العربية السيناوية مختلطة ببشر عديد من الصعيد والبحراوية والدمياطية والاسكندرانية
, ابتسم وتفاءل ولم يخاف مما سمع أو يسمع عن ثورات ومجاهدين وإرهاب وغيره , لأنه
يدرك فقط أن مصر هي الأساس وبها عاش وتعايش جميع البشر بجميع الديانات علي مر
العصور , أدرك ذالك من محاضرات الشؤون المعنوية بالجيش المصري , لا يستوعب الثورات
ولا مشاكلها ولا صراعاتها , لا يستوعب من الرئيس ومن المرؤوس , لا يستوعب تقسيم
المجتمع إلي جماعات وطوائف , يستوعب فقط انه جندي لحماية المكان المكلف بحمايته أيا
كان المعتدي ,, يدرك فقط أن سلاحه لا يتركه قط حتى الموت كما تعلم في تدريباته ,
يدرك أن حماية هذه الأماكن هي شرف لكل جندي ,, إدراكه الأمني بسيط كبساطة تفكيره
,, ظل هكذا متفائل ومبتسم ويغني ويمرح مع زملاؤه , بكل حيوية ونشاط وشباب وصحة , إلا
أن جاءت لحظة قاسية حولت حياته وأحلامه وأفكاره البسيطة إلي جندي عنيف شرس مع من
يعتدي علي بلاده , فجأة وبدون سابق إنذار وبدون مقدمات , وجد سريته كلها أشلاء
ومصابين , لم يفعلوا شيء سوي أنهم كانوا يتناولون الطعام في أيام الصيام , أشلاء أجساد
زملاؤه منتشرة في كل مكان , والدماء تغطي المكان , سبب هذا سيارة مفخخة بها شخص
غريب دخل بها وسط هؤلاء وفجر نفسه ,,, هنا تحول فكره إلي اعلي مستويات الفكر
العسكري , أدرك معاني كثيرة في لحظات قليلة جدا ,,, أدرك الطائفية والإرهاب
والجهاد الكافر ومحبي السلطة في تدمير مصر ومقدرات وموارد وشباب مصر ,,, استجمع
قواه بعد الإصابة التي شفي منها , رفض الأجازة بعد ذالك واقسم للثأر لكل زملاؤه
وكل شهيد وكل مصري علي ارض المحروسة ,,, تغيرت ملامحه , لم يعد يبتسم ولا يغني ولا
يمرح , كان يشارك في الصفوف الأمامية لتمشيط جبال سيناء من خوارج هذا العصر , من
الإرهابيين ,,, وكان يدعو ربه ليلا ونهارا أن يلحقه بزملائه الشهداء ,,, حتى جاءت
لحظة فارقة وهو في الصفوف الأمامية في احدي دوريات تمشيط جبل الحلال بشمال سيناء ,
إذ بالإرهابيين يخرجون من جحورهم كالفئران من كل الجنسيات , أصبح يضرب ويرمي
القنابل ويستخدم السلاح الأبيض في قتال هؤلاء , معركة قاسية ولكن تم تدمير كل
هؤلاء الرعاع ممن يريدون تدمير مصر ,,, اخذ يتقدم ويتقدم حتى فوجئ بأحدهم يجري وفي
وسط جسده حزام ناسف وقنابل عديدة ليرمي نفسه وسط الجنود والضباط , ولم يكن احد
يلاحظ هذا سوي هو ,, وفي لحظة صغيرة تتعدي الفيمتوثانية لم يفكر بل جري باقصي سرعة
عنده ليحتضن هذا الإرهابي ليفجر نفسه ويقول وهو يجري الله اكبر ,,, ليحمي أكثر من
عشرون جنديا وضابطا من سريته ,, وتتناثر أجزاء جسده آلي قطع صغيرة ,,,,,,,,,,,,,,,
· هنا
سكت بركات الذي يرتدي الزى العسكري عن الحديث مع الرائد سالم وتركه علي أساس العودة
في يوم أخر بحكاية أخري ,,, وبالفعل في اليوم الثاني ذهب الرائد سالم ليري بركات
ولكن لم يجده بل اخذ يصرخ وينادي عليه حتى تجمع بعض الناس ونظروا إلي الرائد سالم ليعرفوا
ما به ولماذا يصرخ وعن من ينادي , واخبرهم القصة ,,, وهنا كانت المفاجأة ,,, أن
بركات الذي كان يقابله الرائد سالم ماهو إلا روح الجندي الذي كان يروي له قصته في
سيناء ,, ولم يكن بشر او إنسان حقيقي ولكنه روح هذا الشهيد العظيم ,,,
· رحم
الله كل شهداء مصر الأبرار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق